في قرار مفصلي يعيد تشكيل خرائط التنقل داخل القارة الإفريقية، أعلنت كينيا منتصف يوليو 2025 عن إلغاء تأشيرات الدخول المسبقة لمواطني كل الدول الإفريقية ومعظم دول الكاريبي، باستثناء ليبيا والصومال لأسباب أمنية.
هذا الإجراء، الذي بات سارياً منذ مطلع الأسبوع، يسمح لمواطني الدول الإلإريقية المؤهلين بالدخول إلى البلاد دون الحاجة لاستمارات أو رسوم أو تصاريح إلكترونية، والبقاء حتى شهرين، بينما يتمتع مواطنو مجموعة شرق إفريقيا بحق الإقامة حتى ستة أشهر، التزامًا باتفاقيات الحركة الحرة في الإقليم.
هذه الخطوة التي رحّب بها الاتحاد الإفريقي ودوائر السياحة، تأتي في إطار سياسة كينيا لتعزيز “السماء المفتوحة” والنمو السياحي، وتأسيس نموذج مرن لحركة الأفراد، مستندة إلى بنية رقمية لتسريع الموافقات خلال 72 ساعة.
تعزيز السياحة والتكامل الإقليمي
ترى الحكومة الكينية في القرار فرصة لإعادة تموضع البلاد كوجهة أولى للسياح الأفارقة، مدعومة ببنية تحتية متنامية، من خدمات الاتصال عالية السرعة إلى مبادرات “العمل من أي مكان“، وعلى رأسها تصريح العمل الرقمي الذي أُطلق أواخر 2024. وتُعدّ هذه المبادرات امتدادًا لتصوّر جديد يسعى لتحويل كينيا إلى مركز قاري للأعمال والضيافة.
وإلى جانب تعزيز السياحة، يُسهم الإجراء في دعم حركة التجارة العابرة، وتقوية الاندماج الاقتصادي، لا سيما في ظل وجود عدد متزايد من الاتفاقيات التجارية القارية، مثل اتفاقية التجارة الحرة القارية الإفريقية (AfCFTA).
كما يمثل القرار رسالة سياسية قوية مفادها أنّ كينيا مستعدة للعب دور ريادي في إعادة تشكيل العلاقة بين الدول الإفريقية ومفهوم الحدود.
بين الاستثناءات والآمال
رغم الحفاوة، تبقى الأسئلة مفتوحة بشأن الاستثناءات الأمنية التي طالت ليبيا والصومال. وفي حين ترى الحكومة أنّ التحديات الأمنية تبرر هذا الاستبعاد، إلا أنّ بعض الخبراء يرون في ذلك تهديدًا لمبدأ شمولية القرار.
كما يُثار جدل حول مدى جهوزية البنية التحتية للمطارات ونقاط الدخول لاستيعاب التدفق المتوقع من المسافرين، إضافة إلى قدرة النظام الرقمي الجديد على تسريع الإجراءات بفعالية.
كذلك، فإنّ نجاح هذا النموذج يستدعي تنسيقًا أكبر مع الدول المجاورة، ومواءمة السياسات الجمركية، وتطوير استراتيجيات أمنية تشاركية توازن بين حرية التنقل ومتطلبات السلامة.
توصيات ختامية
في ظل هذا الانفتاح الكيني تجاه القارة الإفريقية، يمكننا تقديم عدة توصيات فيما يلي:
- التوسّع التدريجي: تشجيع باقي الدول الإفريقية على دراسة النموذج الكيني وتكييفه بما يناسب خصوصياتها الوطنية، ضمن مسار تنسيق قاري.
- إدارة أمنية ذكية: تطوير منظومة استباقية لتحليل المخاطر المرتبطة بالتنقل، بالتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين.
- تعزيز التكامل الرقمي: الاستثمار في أنظمة المعالجة الحدودية، وتوحيد بوابات الدخول الإلكترونية لضمان الكفاءة والشفافية.
- تقييم دوري: إنشاء آلية مراقبة مستقلة لرصد الأثر الاقتصادي والاجتماعي للقرار، وإصدار تقارير نصف سنوية تُغذي عملية صناعة القرار.
خاتمة
إنّ قرار إلغاء تأشيرات دخول كينيا للأفارقة ليس مجرد إجراء إداري؛ بل هو علامة على تحوّل ذهني في تعامل القارة مع مفهوم الحدود والمواطنة. وإذا كُتب لهذا النموذج النجاح، فقد نكون أمام نقطة انطلاق نحو قارة أكثر تحررًا وارتباطًا، حيث يتحوّل الحلم بوحدة تنقل إفريقية إلى واقع ملموس. الطريق طويل، لكن كينيا اختارت أن تكون أول من يفتحه.
اكتشاف المزيد من أفريكا تريند
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.