في 27 نوفمبر 2025، قاد رئيس غينيا كوناكري، العقيد مامادي دومبويا، الاجتماع الثاني للمجلس الأعلى للدفاع الوطني في لحظة سياسية حسّاسة تسبق الانتخابات المقرر عقدها نهاية ديسمبر، وتأتي وسط جدل حول دور المؤسسة العسكرية في صياغة الانتقال المقبل.
ويكتسب هذا الاجتماع وزنًا مضاعفًا عندما يُقرأ ضمن سياق إقليمي مضطرب، إذْ شهدت غينيا بيساو، بعد أقل من 24 ساعة، انقلابًا عسكريًا أعاد طرح أسئلة جوهرية حول طبيعة هشاشة الحكم في غرب إفريقيا، فيما تتكشف في السنغال بوادر أزمة سياسية داخلية تُضعف أحد آخر نماذج الاستقرار الديمقراطي في المنطقة.
وعليه، يهدف هذا الموجز إلى تقديم قراءة تحليلية مركّزة لهذا الاجتماع بوصفه مؤشراً على إعادة تشكيل الأمن الوطني في غينيا، واستشراف ما تعكسه اللحظة الإقليمية المحيطة من فرص ومخاطر.
ومن خلال تسليط الضوء على الدلالات المباشرة للاجتماع، وموقعه من التحولات الأخيرة في بيساو وداكار، تستعرض الورقة اعتبارات سياساتية عملية تساعد على فهم اتجاهات الأمن والشرعية في غرب إفريقيا أثناء مرحلة تتقدم فيها مقاربة “الأمن أولًا” إلى صميم العملية السياسية.

أولًا: دلالات اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في كوناكري
يمثل اجتماع 27 نوفمبر 2025م نقطة انعطاف في هندسة الأمن الوطني داخل غينيا، ويمكن تقديم أهم دلالاته فيما يلي:
- إعادة تثبيت المؤسسة العسكرية كفاعل مركزي في الحكم: ترؤس دومبويا لجلسة دفاع ذات طابع استراتيجي يكرّس دور الجيش بوصفه الضامن الأساسي للاستقرار خلال مرحلة انتخابية حسّاسة.
- إطار للشرعية الانتخابية القادمة: إبراز “الأمن الوطني” قبل انتخابات 28 ديسمبر يشير إلى بناء سردية تُقدّم الحفاظ على الاستقرار بوصفه شرطًا لتجاوز المرحلة الانتقالية.
- احتواء الهشاشة الداخلية: ارتباط الاجتماع بمناقشة أمن الحدود وحماية السكان يعكس إدراك السلطة لمخاطر الاضطرابات، خاصة مع بروز معارضة متفرقة وتوترات اجتماعية.
- رسالة للخارج: يشير الاجتماع إلى رغبة غينيا في تقديم نفسها كشريك مستقر رغم الإرث الانقلابي، في لحظة إقليمية تتكاثر فيها الإشارات السلبية حول ثبات أنظمة غرب إفريقيا.
ثانيًا: تقاطعات الحدث مع انقلاب غينيا بيساو
إنّ تزامن الاجتماع مع انقلاب 26–27 نوفمبر 2025 في غينيا بيساو يعزز دلالاته، ويمكن تلخيص ذلك فيما يلي:
- تتابع زمني يكشف هشاشة الإقليم: الحدثان يفصل بينهما أقل من يوم واحد، حتى وإن كان مجدولا سابقا، ما يعكس أنّ “الاستقرار الأمني” في غرب إفريقيا قابل للانهيار السريع.
- تشابه في خطاب الشرعية الأمنية: استخدم قادة انقلاب غينيا بيساو لغة مشابهة للخطاب الذي يروّج له النظام في غينيا، مرتكز على “حماية الدولة” و”ضمان الاستقرار”.
- تعزيز مركزية الجيوش في المعادلات السياسية: انقلاب بيساو يوفّر نموذجا قريباً يعيد تذكير كوناكري بأنّ السلطة العسكرية لا تزال خياراً حاضراً في المنطقة.
- رفع سقف التوقعات الأمنية: ما يحدث في بيساو يجعل أيّ اضطراب انتخابي في غينيا أكثر تكلفة، ويزيد الضغوط على دومبويا لإحكام السيطرة قبل حلول موعد الاقتراع.
ثالثًا: الديناميات السياسية في السنغال
على الرغم من اختلاف السياق، فإنّ التوترات المتصاعدة في السنغال منذ أكتوبر–نوفمبر 2025 تُسهم في تعميق قلق الإقليم، وخاصة غينيا، يمكن اختصار ذلك في النقاط التالية:
- أزمة قيادة مبكرة: إنّ تفاقم الخلاف بين الرئيس باسيرو ديوماي فاي ورئيس الوزراء عثمان سونكو يخلق حالة ضبابية داخل رابع أكبر اقتصاد في غرب إفريقيا.
- تداعيات مالية وسياسية: استمرار نقاشات الديون الخفية يضعف قدرة الحكومة على ضبط المشهد الداخلي نسبيا، ويقلل التركيز على العلاقات الخارجية التفاعلات الدبلوماسية.
- تراجع نموذج الديمقراطية المستقرة: إنّ اهتزاز صورة السنغال بشكل أو آخر يؤثر على الإيكواس كمظلة إقليمية ويقلل من وزنها في احتواء الأزمات.
- انعكاسات على كوناكري: كل بؤرة توتر في الجوار تمنح دومبويا مبرراً إضافيّاً للتموضع الأمني وتحويل المؤسسة العسكرية إلى ضمانة انتقالية.
رابعًا: موقع الإيكواس وتحولات الساحل
ديناميات الساحل والإيكواس تُظهر بيئة إقليمية مضطربة، وقد تظهر في التالي:
- انقسام الإيكواس وتراجع أدوات الردع: أدت الانقلابات المتكررة إلى إضعاف قدرة المنظمة على ضبط سلوك أعضائها.
- صعود رؤية أمنية بديلة عبر تحالف الساحل: مالي وبوركينا فاسو والنيجر تطرح نموذجًا يهمّش الدور المدني ويوسّع نفوذ المؤسسة العسكرية.
- تحول الأمْن إلى مدخل للحكم: تنتشر في المنطقة مقاربة تقوم على أنّ الأمن، وليس المؤسسات المدنية، هو القاعدة التي تُبنى عليها الشرعية.
خامسًا: اعتبارات سياساتية لصنّاع القرار والباحثين
تُظهر اللحظة الحالية في غينيا كوناكري أنّ توازن العلاقة بين الأمن والانتقال السياسي بات أكثر هشاشة من أيّ وقت مضى، خاصة مع اقتراب الانتخابات وتزايد الضغوط الإقليمية الناتجة عن انقلاب غينيا بيساو والتوترات في السنغال.
قد تفرض هذه البيئة على الفاعلين الوطنيين والإقليميين والدوليين تبني مقاربات أكثر واقعية واستباقية، تضمن تهدئة الهشاشة قصيرة المدى دون تكريس نماذج حكم أمنية ممتدة. وعليه، ستوفر النقاط التالية إطاراً عمليّاً مختصراً يمكن البناء عليه خلال الأسابيع الحاسمة المقبلة.
في غينيا كوناكري
- ضبط دور الأجهزة الأمنية في إدارة العملية الانتخابية.
- منع توسّع نفوذ المجلس الأعلى للدفاع بعد الاقتراع.
- تعزيز رقابة مدنية–قضائية على الأمن الانتخابي.
في الإيكواس
- اعتماد مقاربة وقائية تقوم على الإنذار المبكر.
- الانخراط المشروط مع السلطات الانتقالية دون شرعنة الانقلابات.
- تطوير آليات مشتركة مع الاتحاد الإفريقي لمعالجة هشاشة الحدود والاقتصاد غير المشروع.
للشركاء الدوليين
- ربط الدعم الأمني بإصلاحات مؤسسية واضحة.
- دعم بيئة انتخابية شفافة لا أمنية فقط.
- إدماج قضايا التهريب والحدود في مقاربة الاستقرار طويلة المدى.
الخاتمة
تكشف قراءة اجتماع المجلس الأعلى للدفاع في غينيا كوناكري أن البلاد تدخل مرحلة يعاد فيها تعريف موقع المؤسسة العسكرية داخل معادلة الحكم، في وقت تتزايد فيه مؤشرات الهشاشة الإقليمية من غينيا بيساو إلى السنغال. هذا التزامن لا يجعل الحدث منعزلاً، بل يضعه ضمن مسار أوسع تتحوّل فيه “الأمننة” إلى الإطار الحاكم لإدارة الانتقال السياسي في غرب إفريقيا.
وفي ضوء ذلك، تبرز الحاجة إلى مراقبة دقيقة لكيفية توظيف الأمن خلال الأسابيع التي تسبق انتخابات ديسمبر، وكيف ستتعامل الإيكواس والشركاء الدوليون مع بيئة تتراجع فيها قدرة الهياكل الإقليمية على احتواء الأزمات قبل انفجارها. فالسؤال الأهم لصنّاع القرار اليوم لا يتعلق بالحدث نفسه، بل بمدى قدرة المنطقة على منع تحوّله إلى نموذج جديد يعمّق حلقة عدم الاستقرار.
إن إدارة هذا المنعطف تتطلب أدوات سياساتية أكثر واقعية واستباقية، قادرة على موازنة الضرورات الأمنية مع الحاجة إلى بناء شرعية سياسية مستدامة؛ وهي معادلة ستحدد شكل الاستقرار في غرب إفريقيا خلال السنوات المقبلة.
اكتشاف المزيد من أفريكا تريند
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

























