مرآة إفريقيا | القاهرة
في خطوة جديدة ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادي، أعلنت الحكومة المصرية يوم 17 أكتوبر 2025 عن رفع أسعار الوقود للمرة الثانية هذا العام، في زيادات تراوحت بين 10.5% و12.9%، شملت البنزين والديزل والغاز الطبيعي للسيارات.
وجاء القرار استكمالاً لزيادة سابقة بلغت نحو 15% في أبريل الماضي، ويهدف إلى خفض الدعم وتخفيف الضغط على الموازنة العامة.
تفاصيل الزيادات الجديدة
بحسب ما ورد في الجريدة الرسمية وبيان وزارة البترول والثروة المعدنية، أصبحت الأسعار الجديدة على النحو الآتي:
-
الديزل: 17.50 جنيهًا للتر بدلًا من 15.50 جنيهًا.
-
بنزين 80 أوكتان: 17.75 جنيهًا للتر.
-
بنزين 92 أوكتان: 19.25 جنيهًا للتر.
-
بنزين 95 أوكتان: 21 جنيهًا للتر.
-
الغاز الطبيعي للسيارات: ارتفع بنحو 43% ليبلغ 10 جنيهات للمتر المكعب.
وأكدت الوزارة أن الأسعار ستُجمّد لمدة عام كامل، مشيرة إلى أن قطاع النفط سيواصل تشغيل المصافي المحلية بكامل طاقتها، وتسوية الديون المستحقة للشركاء الأجانب، وتحفيز الاستثمار في التكرير لتقليل الاعتماد على الواردات النفطية.
خلفيات القرار وأسبابه
وتسعى مصر منذ سنوات إلى إعادة هيكلة دعم الطاقة الذي يستهلك جزءًا كبيرًا من ميزانيتها، في ظل التزاماتها مع صندوق النقد الدولي ضمن اتفاق قرض بقيمة 8 مليارات دولار.
وقد اشترط الصندوق على القاهرة تقليص دعم الوقود والكهرباء والغذاء مقابل توسيع شبكات الحماية الاجتماعية ودعم الفئات الأكثر احتياجًا.
ويأتي هذا القرار في وقت ارتفع فيه عجز الحساب الجاري إلى نحو 2.2 مليار دولار خلال الربع الثاني من العام الجاري، بينما صعدت واردات المنتجات البترولية إلى 500 مليون دولار مقارنة بـ400 مليون في الفترة ذاتها من 2024، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
ويرى خبراء اقتصاديون أن رفع الأسعار خطوة ضرورية لتحسين مؤشرات المالية العامة وجذب الاستثمارات، لكنها قد تزيد الضغط التضخمي في المدى القصير، خاصة مع ارتفاع تكاليف النقل والسلع الأساسية.
بين الإصلاح والعبء الاجتماعي
على الصعيد الاجتماعي، يتوقع أن ينعكس القرار على أسعار المواصلات والمنتجات الغذائية والصناعية، وهو ما قد يضاعف معاناة الأسر محدودة الدخل. الحكومة أكدت أنها ستستمر في دعم الديزل جزئيًا لحماية القطاعات الحيوية مثل النقل والزراعة والصناعة، إلى جانب توسيع برامج الدعم النقدي مثل “تكافل وكرامة”.
ويصف محللون الخطوة بأنها مغامرة محسوبة تهدف إلى تحقيق التوازن بين الاستقرار المالي والاستقرار الاجتماعي، خاصة أن الحكومة وعدت بعدم فرض زيادات جديدة حتى نهاية 2026. ومع ذلك، يبقى نجاح هذه السياسة رهينًا بقدرتها على ضبط التضخم وزيادة الإنتاج المحلي للطاقة.
مقارنة مع التجارب الإفريقية
تأتي الزيادة المصرية في سياق اتجاه إقليمي أوسع نحو إصلاح دعم الوقود في إفريقيا.
-
ففي نيجيريا، ألغت الحكومة دعم البنزين نهائيًا عام 2023، ما تسبب في ارتفاع الأسعار بنسبة تفوق 200% واندلاع احتجاجات واسعة.
-
أما في كينيا، فقد رفعت الحكومة أسعار الوقود تدريجيًا خلال 2024، لكنها أبقت دعمًا جزئيًا لتفادي الغضب الشعبي.
وبالمقارنة، تبدو القاهرة أكثر حذرًا في نهجها، إذ تختار رفع الأسعار على مراحل وتجميدها مؤقتًا، ضمن ما تسميه “خطة التدرج في الإصلاح الطاقي”، لضمان عدم انعكاس الإجراءات الاقتصادية على الاستقرار الداخلي.
أهداف الإصلاح ومؤشرات المستقبل
تستهدف مصر عبر هذه الخطوات الوصول إلى تسعير واقعي للوقود بحلول ديسمبر المقبل، بما يتماشى مع تكاليف الإنتاج والأسعار العالمية. وتطمح الحكومة إلى خفض نسبة الدين العام إلى نحو 82.9% من الناتج المحلي الإجمالي في موازنة 2025/2026، مع زيادة الإنفاق على الصحة والتعليم ومشروعات التحول الأخضر.
كما تراهن الدولة على زيادة إنتاج المصافي المحلية وتوسيع مشروعات الغاز الطبيعي، لتتحول إلى مركز إقليمي للطاقة بحلول عام 2030، وهو ما اعتبرته وزارة البترول خطوة أساسية لتقليل الضغط على النقد الأجنبي وتعزيز الاستقلال الطاقي.
خلاصة المشهد
تمثل الزيادة الثانية لأسعار الوقود في عام واحد مرحلة جديدة في مسار الإصلاح الاقتصادي المصري، وتحديًا لاختبار قدرة الحكومة على تحقيق التوازن بين متطلبات صندوق النقد الدولي وضغوط المعيشة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه القاهرة إلى تثبيت الأسعار لمدة عام؛ تبقى الأنظار موجهة إلى مدى نجاحها في احتواء التضخم وتحقيق نتائج ملموسة في خفض العجز المالي وتحسين إنتاج الطاقة.
اكتشاف المزيد من أفريكا تريند
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.







